كيف تقرأ كتابا - خطوات لتحسين القراءة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، يُحب من دعاه خفياً، ويُجيب من ناداه نجيّاً، ويزيدُ من كان منه حيِيّاً، ويكرم من كان له وفيّاً، ويهدي من كان صادق الوعد رضيّاً، الحمد لله ربّ العالمين.
خطوات تحسين القراءة والقواعد المهمة لذلك:
1- القراءة السريعة أو البطيئة بذاتها ليست معيارا على جودة القارئ، بل استخدام السرعة المناسبة في المكان المناسب أو للنص المناسب هو ما يدل على خبرة القارئ وجودة قراءته.
2- يمكن تحسين سرعة القراءة من خلال الممارسة، وهناك أساليب تساعد على ذلك، منها جعل العقل يقرأ أسرع من البصر، ويمكن التدرب على ذلك من خلال ضم الإبهام مع السبابة والوسطى وتمرير ذلك على الأسطر المراد قراءتها...، ويمكن زيادة سرعة التمرير مع الزمن، لكن حاول القراءة بعقلك...، وعادة ما ستجد أن القارئ المتمرس نوعا ما يقوم بهذه العملية بشكل افتراضي...
3- إن القراءة السطحية (التفحصية) للكتاب قبل البدء بقرائته نقطة مهمة جدا يتجاهلها أو لا يدركها أكثر القراء، ويمكن القول أنها القراءة السطحية للكتاب قبل البدء فيه أو اختياره أو شراؤه، ويجب أن تتم هذه العملية في أسرع وقت ممكن، وعادة تتم في دقائق ولا تتجاوز الساعة، وتشمل هذه القراءة الاهتمام بعنوان الكتاب الرئيسي والفرعي، والفهرس، والمقدمة، والخاتمة، والصفحات الآخيرة قبل الخاتمة، كما يفضل الاهتمام بالعناوين الرئيسية بالفهرس أو النصوص التحليلة التي يضعها الكاتب فيه، مع قراءة لفقرة أو فقرتين من العناوين الأساسية للكتاب حتى تصل للقارئ فكرة سطحية عن محتوى الكتاب ومراد الكاتب وأسلوبه وإلى أين ينوي الذهاب به...، وهذا يعني أن عليك تصنف الكتاب وموضوعه، وأن تستطيع أن توضح ما يبحث عنه الكاتب أو ما يريده بإيجاز من خلال فقرة صغيرة أو جملة واحدة!، كما أنك يجب أن تقدر على تعديد الأجزاء وتلخيصها بشكل مجمل، وأن تعرف المشكلة التي أراد الكاتب حلها...
4- بعد القراءة التفحصية نأتي للقراءة التحليلية، وهي مرحلة لا يمكن البدء فيها بدون إتمام المراحل السابقة، وهذه مرحلة جميلة تنقل القراءة من مجرد كلمات ورموز لمستوى أعمق، ويمكن القول أن التركيز هنا على فهم الكلمة ودلالاتها، وأهمية المصطلح، والتمييز بين الكلمات المهمة والرئيسية والكلمات الأخرى، ثم تأثير مجموع هذه الكلمات معا والتي تشكل ما يسمى بالجمل، هذه الجمل من المهم فهمها ضمن تركيبة المفردات التي تحتويها وفهم ما إذا كانت الجملة مركبة لتقوم بأكثر من غرض أو جملة دلالية في معرض الشرح، وهذا يقودنا لنقطة مهمة وهي استخدام الوسائل المتاحة مثل القلم للتأشير على الجمل المهمة ذات المعنى أو المغزى وذات الطرح المهم، أو ذات المعاني التي تقدم إشكالا للقارئ والتي يرغب في فهمها وتحليلها أو نقدها...، ويلي ذلك ربط مجموع هذه الجمل فيما بينها مع الكتاب كوحدة كاملة أو مع الفصل أو الموضوع كوحدة كاملة ثم ربطها مع ما يكبرها من العناوين، وآخر أجزاء هذا التحليل؛ القدرة على معرفة الحلول التي استطاع الكاتب طرحها وحلها فعليا، والمعضلات الجديدة التي نشأت من طرحه، ومن هذه النقطة، فأنت يمكنك طرح أفكارك الخاصة لمناقشة ما طرحه الكاتب...
5- التركيز على أهمية الفهم والقدرة على إعادة صيغ الجمل المركبة المهمة أو الأهم بكلمات مختلفة كليا أو جزئيا، وذلك للتأكيد على أهمية قدرتك على التحليل والوصول إلى أعلى مستوى من الفهم!، إننا لا نريد أن نبصم الرموز المرسومة على الورق، بل نريد أن نفهم تلك الرموز، وأن نسترجعها من ذاكرتنا حين الحاجة إليها، بكلماتنا، أو بكلمات الكاتب...، ولا أجد أجمل من حفظ متقن!، حفظ للنص وفهم لما فيه، وقدرة على تحليله ومعالجته!
6- إرجاء الحكم يجب أن يكون بعد إتمام المراحل الخاصة بالقراءة التفحصية والتحليلية، والنقد يجب أن يكون مهذبا، ولا يكون مهذبا إلا عندما تكون موافقتك أو عدم موافقتك أو تأجيل حكمك على موضوع ما قد أتى بعد فهمك لما طرحه الكاتب أو بعد استنفاذ ما طرحه، وخضوع ذلك للتفكير، والنقد لا يعني الرفض أو عدم الموافقة!، بل يعني أن تنظر بعين الباحث عن الحقيقة بعد السير في طريقها، فتوافق أو ترفض أو تؤجل!، بل حتى أن النقد البناء، هو نقد في عدم الموافقة فيما اشتهر بين الناس!
7- علاقة القارئ والكتّاب علاقة تفاهمية وليست علاقة لفرد العضلات!، الكاتب يحاول جاهدا إيصال ما يراه حقا بأفضل طريقة ممكنة، والقارئ يحاول جاهدا فهم ما أراد إيصاله الكاتب لا الاستعلاء عليه!، تجرد من الشخصنة، وانظر للفكر المقدم أمامك!
8- الحرص على الكتب وتجنب المختصرات أو التعليقات قدر الإمكان، فإن كان ولا بد منها أو أنها فعلا كانت تحقق فائدة، فيجب أن تتم قراءتها بعد الانتهاء من قراءة الكتاب أولا، وذلك حتى لا تتأثر أو يصب تركيزك على ما كتب في التعليقات أو المختصرات فقط، كمثل الطالب قبل الامتحان، عليه أن يدرس كتابه أولا، ثم ينظر في المختصرات التي تشرح الكتاب أو تقدم خلاصة الكتاب والتي فعلا قد تعين الطالب على النجاح!
9- في الكتب التطبيقية يجب أن تسأل نفسك، ماذا يريد مني الكاتب لأقوم به حتى أصل إلى النتيجة التي بنا كتابه عليها، مثلا كتاب كيف تقرأ كتابا، ما هي الأسس التي وضعها الكاتب حتى أصل إلى النتيجة المرجوة من تحقيق التطبيق لهذا الكتاب؟، وهذا الأمر ينطبق على غيره من الكتب، وقد يظهر ذلك جليا في كتب الأخلاق، والتي تدعو للحياة السعيدة!، وفعليا، ستجد الكاتب هنا يجذبك لتطبق ما يراه حقا من مجموعة القواعد أو المبادئ.
10- الكاتب الحذق خصوصا في الكتب التطبيقية، يحتاج إلى بلاغة وعلم، لكن لا يخفى دور الرسائل العاطفية المضمنة داخل الكتاب!، فالكتاب مهما كان، فستجد هناك تواصل عاطفي بينه وبين القارئ لا يجب إهماله!، وبكل تأكيد، يجب أن لا يكون الكتاب عاطفيا ليروج لما فيه من محتوى، خصوصا إن كان المحتوى غير حقيقي، وهذه نقطة مهمة، لأن القارئ سيكون ضحية خداع، وإن كان متيقظا فقد أضعت وقته وتعرضت لفضيحة!، وغالبا ما يرتد على عقبه من تأثر في هذه العاطفة عند أول عاصفة!
11- الرويات والقصص الخيالية تعطي شعورا بالسعادة يصعب وصفها عند كثير من الناس!، بل ويصعب نقدها عندهم، إنهم فقط سعداء فيما قرأوا، وهذا يشير إلى نقطة مهمة، وهي أن كثير من القرائات الشعبية تكتفي بمجرد الإحساس بالسعادة، لا باكتساب العلم، وتكتفي بالفهم السطحي أو المباشر للخيال من الرواية، ولا تنظر إلى المعاني العميقة التي بداخلها!، إننا نتحدث هنا عن مجموعة كبيرة وليس الكل، لكن الجل هنا هو من الصنف الأول!، فالجمال أصعب في التحليل من الحقيقة الواضحة!، فقد تسأل نفسك، لماذا أصحبت سعيدا؟!، وأرى أن هذه الكتب لا تقدم علما أو فهما إلا في القليل منها، والقليل منها ما يحتوي على كثير مما يستحق أن يكتسبه الإنسان!، لذلك، فلا أنصح في مثل هذا النوع من القراءة إلا للتسلية أو كفواصل بين الكتب، وينبغي أن تكون مدركا متى وأين ستقرأ هذا النوع، وليس على أي حال أو في أي مكان!، وشخصيا لم أقرأ منذ زمن بعيد كتبا من هذا النوع -والحمد لله-، ولا مانع من ذلك كما ذكرت سابقا!
12- يبرز دور القراءة التفحصية عند القراءة الموجهة، والتي تهتم بدراسة موضوع معين من عدة كتب أو مراجع، وذلك لإمكانية ضبط المصطلحات ومعرفتها واختيار الكتب المناسبة لذات الموضوع، مثلا من يرغب في كتابة موضوع عن الشبكات التقنية، فإنه سيقوم بجلب المصادر والمراجع التي تقود لهذا الشيء وسيستثني المراجع التي ورد فيها ذكر الشبكات وتحدثت عنها بسياق مختلف...، مثلا أنا سأستثني كل الكتب التي تحدثت عن شبكات الصرف الصحي وشبكات الصيد، وسأستثني شبكات التواصل الإجتماعي وشبكات الألعاب!، أو على الأقل، يمكن من خلال القراءة التفحصية وجزء من التحليلة تحديد الفصول المهمة والتي ستثري الطرح بدلا من إضاعة الوقت على كتاب لن ينفعني إن قرأته كاملا، بل ينفعني بعض أجزاءه!
13- عند القراءة في أكثر من كتاب في نفس اللحظة (القراءة التي تختص بالمراجع أو بأكثر من عنوان معا لحل مشكلة ما)، فإننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الاختلافات في النظر والاهتمامات للأسئلة السابقة والمتعلقة تحديدا بطريقة التحليل، وأبرز ما يظهر هنا هو الاهتمام بالنظرة التفحصية لاختيار العناوين المناسبة وترتيبها ومعرفة مقدار الفهم المراد منها، وتحديد طبيعة الإجابات التي يطرحها هذا الكتاب على الأسئلة أو المعلومات التي نبحث عنها، ثم يلزمنا بناء مجموعة من التعابير الخاصة بنا، فكل كاتب له تعابيره الخاصة، وقد تتشابه الكلمات والرموز المستخدمة عند الكتاب، لكن كل كاتب قد يقصد معنى مختلف بنفس الرموز!، لذلك يجب عليك بناء هذه التعابير والانطلاق منها للإجابة على أسئلتك وربطها بالعناوين التي تهتم بها، ويجب على الباحث هنا أن يعي أن الإجابة التي يبحث عنها ليست بالضرورة أن تكون موجودة بشكل صريح، فقد تكون موجودة بشكل ضمني، كما يمكن أن يجد القارئ الإجابة والكاتب لا يقصد ذلك لأن طرحه مختلف، وقد يجدها صريحة ومباشرة، ثم يلي ذلك قراءة النتائج الخاصة بالكتب المختلفة والمقارنة بينها، والنظر للسبب الذي قاد للإجابة على سؤال ما بطريقة مختلفة أو متعارضة أو متوافقة!، وهذا سيقود للنقطة النهائية وهي محاولة ترتيب الأفكار وعرض النقاط بالشكل الصحيح الذي عني بتحليل ومناقشة كل ما سبق بشكل يعبر عنك بطريقة صحيحة!
14- هناك ثلاثة أنواع من الكتب، كتب كغثاء السيل بلا معنى ولا فائدة، تنفع فقط كوسيلة للتسلية أو مكان لتحسين الحصيلة اللغوية أو الحصول على بعض المعلومات، وهي النسبة العظمى من أعداد الكتب الضخمة، ونوع آخر وهو كتب قيمة تحتاج إلى تحليل، لكنك عادة ستكون سعيدا في قرائتها لمرة واحدة وغالبا لن تعود لها إلا للحصول على بعض المعلومات أو استرجاع الذاكرة، وهنا يظهر دور الهوامش، وهذه الكتب تكون كتبا قد نقلتك أو أعطتك الكثير، وهناك النوع النادر من الكتب، وهي الكتب التي مهما قرأتها ومهما كنت ذكيا وقارئ جيدا فإنك ستعود لها مرارا وتكرارا، وكلما عدت إليها وجدت جديدا، وخير وأعظم هذه الكتب هو القرآن الكريم!، هذه الكتب النادرة تحتاج وتستحق كل ما يبذله الإنسان في سبيل فهمها والوصول إلى كنوزها!، وهناك نقطة جميلة حول الكتب النادرة، فالكتب في ذاتها قد كتبت ولم يحدث تغيير عليها -عادة-، لكنك أنت من تغيرت، فلو كنت فعلا قارئا جيدا وتعلمت الكثير، ثم عدت للكتاب فإنك ستتعلم الكثير، وذلك ليس لأن الكتاب تغير، بل لأنك أنت من تغيرت ووصلت إلى مستوى من الفهم والحكمة أعلى مما سبق، وهذا يدل على نقطة جميلة، وهي أن هذا الكتاب هو فوق المستوى الخاص بك!، وطالما أن الناس تقرأ وتصل في كل مرة لجديد لم يصلوا له من قبل، ثم هم لم يصلوا لنهاية من المعرفة من هذا الكتاب؛ فهذا يعطي فكرة عن مدى قوة وعظمة هذا الكتاب، ولا أجد هذا بالمعنى الحرفي في غير كتاب الله -سبحانه وتعالى-!
** من الملاحظات المهمة أن كل العمليات السابقة يمكن القيام بها بشكل ضمني، ويفضل استخدام القلم والورق لتثبيت المعلومات المهمة وخلق حوار، أو كتابة تلخيص للأفكار، وذلك مهم للمستويات المتقدمة والموسوعية...
الأسئلة التي يجب أن تسألها لنفسك:
1- ماذا يبحث الكتاب في مجمله؟
2- ماذا قيل بشكل مفصل وكيف قاله؟ (أي اكتشاف الأفكار الرئيسية للكاتب)
3- هل الكتاب حقيقي كلي أو جزئي؟ أي معرفة رأيك في الطرح، هل هو ما تريده حقا بشكل كامل أو جزئي أم لا...
4- ما هي المعلومات التي يعطيها الكتاب، هل من الضروري معرفتها، ولماذا؟ وماذا سأتعلم منه، وما هي المعرفة الجديدة التي سأكتسبها إذا قرأته؟، وما هي مقترحات الكاتب وما يلمح إليه وما يريد إيصاله؟
المرجع الأساسي لهذه الأفكار كتاب كيف تقرأ كتابا لمورتيمر
مراجعة أنيس حكمت أبو حميد
2nees.com